الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الإتقان في علوم القرآن (نسخة منقحة)
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هَذَا يَوْمُ كَرْبٍ وَشِدَّةٍ.وَمِنْ ذَلِكَ: (الْجَنْبُ) فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ} [الزُّمَر: 56] أَيْ: فِي طَاعَتِهِ وَحَقِّهِ؛ لِأَنَّ التَّفْرِيطَ إِنَّمَا يَقَعُ فِي ذَلِكَ، وَلَا يَقَعُ فِي الْجَنْبِ الْمَعْهُودِ.وَمِنْ ذَلِكَ: صِفَةُ (الْقُرْبِ) فِي قَوْلِه: {فَإِنِّي قَرِيبٌ} [الْبَقَرَة: 186]. {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ} [ق: 16] أَيْ: بِالْعِلْمِ.وَمِنْ ذَلِكَ: صِفَةُ (الْفَوْقِيَّةِ) فِي قَوْلِه: {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ} [الْأَنْعَام: 18].{يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ} [النَّحْل: 50]. وَالْمُرَادُ بِهَا الْعُلُوُّ مِنْ غَيْرِ جِهَةٍ، وَقَدْ قَالَ فِرْعَوْنُ: {وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ} [الْأَعْرَاف: 127] وَلَا شَكَّ أَنَّهُ لَمْ يُرِدِ الْعُلُوَّ الْمَكَانِيَّ.وَمِنْ ذَلِكَ: صِفَةُ (الْمَجِيءِ) فِي قَوْلِه: {وَجَاءَ رَبُّكَ} [الْفَجْر: 22]. {أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ} [الْأَنْعَام: 158] أَيْ: أَمْرُهُ؛ لِأَنَّ الْمَلَكَ إِنَّمَا يَأْتِي بِأَمْرِهِ أَوْ بِتَسْلِيطِهِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ} [الْأَنْبِيَاء: 27] فَصَارَ كَمَا لَوْ صَرَّحَ بِهِ.وَكَذَا قَوْلُهُ: {فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا} [الْمَائِدَة: 24] أَيْ: اذْهَبْ بِرَبِّكَ، أَيْ: بِتَوْفِيقِهِ وَقُوَّتِهِ.وَمِنْ ذَلِكَ: صِفَةُ (الْحُبِّ) فِي قوله: {يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} [الْمَائِدَة: 54]. {فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} [آلِ عِمْرَانَ: 31].وَصِفَةُ (الْغَضَبِ) فِي قَوْلِه: {وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ} [الْفَتْح: 6].وَصِفَةُ (الرِّضَا) فِي قَوْلِه: {رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ} [الْمَائِدَة: 119].وَصِفَةُ (الْعَجَبِ) فِي قَوْلِه: {بَلْ عَجِبْتُ} [الصَّافَّات: 12]- بِضَمِّ التَّاءِ- وَقوله: {وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ} [الرَّعْد: 5].وَصِفَةُ (الرَّحْمَةِ) فِي آيَاتٍ كَثِيرَةٍ.وَقَدْ قَالَ الْعُلَمَاءُ: كُلُّ صِفَةٍ يَسْتَحِيلُ حَقِيقَتُهَا عَلَى اللَّهِ تَعَالَى تُفَسَّرُ بِلَازِمِهَا.قَالَ الْإِمَامُ فَخْرُ الدِّين: جَمِيعُ الْأَعْرَاضِ النَّفْسَانِيَّةِ- أَعْنِي: الرَّحْمَةَ وَالْفَرَحَ، وَالسُّرُورَ وَالْغَضَبَ وَالْحَيَاءَ وَالْمَكْرَ وَالِاسْتِهْزَاءَ- لَهَا أَوَائِلُ وَلَهَا غَايَاتٌ، مِثَالُهُ: الْغَضَبُ فَإِنَّ أَوَّلَهُ غَلَيَانُ دَمِ الْقَلْبِ، وَغَايَتُهُ إِرَادَةُ إِيصَالِ الضَّرَرِ إِلَى الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِ، فَلَفْظُ الْغَضَبِ فِي حَقِّ اللَّهِ لَا يُحْمَلُ عَلَى أَوَّلِهِ الَّذِي هُوَ غَلَيَانُ دَمِ الْقَلْبِ، بَلْ عَلَى غَرَضِهِ الَّذِي هُوَ إِرَادَةُ الْإِضْرَارِ. وَكَذَلِكَ: الْحَيَاءُ، لَهُ أَوَّلٌ وَهُوَ انْكِسَارٌ يَحْصُلُ فِي النَّفْسِ، وَلَهُ غَرَضٌ وَهُوَ تَرْكُ الْفِعْلِ، فَلَفْظُ الْحَيَاءِ فِي حَقِّ اللَّهِ يُحْمَلُ عَلَى تَرْكِ الْفِعْلِ لَا عَلَى انْكِسَارِ النَّفْسِ. انْتَهَى.وَقَالَ الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَضْل: الْعَجَبُ مِنَ اللَّهِ إِنْكَارُ الشَّيْءِ وَتَعْظِيمُهُ. وَسُئِلَ الْجُنَيْدُ عَنْ قَوْلِه: {وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ} [الرَّعْد: 5]. فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ لَا يَعْجَبُ مِنْ شَيْءٍ، وَلَكِنَّ اللَّهَ وَافَقَ رَسُولَهُ، فَقَالَ: {وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ} أَيْ: هُوَ كَمَا تَقُولُ.وَمِنْ ذَلِكَ لَفْظَةُ (عِنْدَ) فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {عِنْدَ رَبِّكَ} [الْأَعْرَاف: 206]. وَ{ومَنْ عِنْدَهُ} [الْمَائِدَة: 52]، وَمَعْنَاهُمَا الْإِشَارَةُ إِلَى التَّمْكِينِ وَالزُّلْفَى وَالرِّفْعَةِ.وَمِنْ ذَلِكَ: قَوْلُهُ: {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَمَا كُنْتُمْ} [الْحَدِيد: 4]، أَيْ: بِعِلْمِهِ، وَقَوْلُهُ: {وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ} [الْأَنْعَام: 3].قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: الْأَصَحُّ أَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّهُ الْمَعْبُودُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ، مِثْلَ قَوْلِه: {وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ} [الزُّخْرُف: 84].وَقَالَ الْأَشْعَرِيُّ: الظَّرْفُ مُتَعَلِّقٌ بِـ: (يَعْلَمُ) أَيْ: عَالِمٌ بِمَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ.وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ: {سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَا الثَّقَلَانِ} [الرَّحْمَن: 31] أَيْ: سَنَقْصِدُ لِجَزَائِكُمْ.تَنْبِيهٌ عَلَى مَا لَيْسَ بِمُتَشَابِهٍ: قَالَ ابْنُ اللَّبَّان: لَيْسَ مِنَ الْمُتَشَابِهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ}؛ لِأَنَّهُ فَسَّرَهُ بَعْدَهُ بِقَوْلِه: {إِنَّهُ هُوَ يُبْدِيءُ وَيُعِيدُ} [الْبُرُوج: 12- 13] تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّ بَطْشَهُ عِبَارَةٌ عَنْ تَصَرُّفِهِ فِي بَدْئِهِ وَإِعَادَتِهِ وَجَمِيعِ تَصَرُّفَاتِهِ فِي مَخْلُوقَاتِهِ.
أَيْ: وَقَفْتُ.وَقَالَ: أَرَادَ وَإِنْ شَرًّا فَشَرٌّ وَإِلَّا أَنْ تَشَاءَ.وَقَالَ: أَرَادَ: أَلَا تَرْكَبُونَ، أَلَا فَارْكَبُوا.وَهَذَا الْقَوْلُ اخْتَارَهُ الزَّجَّاجُ، وَقَالَ: الْعَرَبُ تَنْطِقُ بِالْحَرْفِ الْوَاحِدِ تَدُلُّ بِهِ عَلَى الْكَلِمَةِ الَّتِي هُوَ مِنْهَا.وَقِيلَ: إِنَّهَا الِاسْمُ الْأَعْظَمُ: إِلَّا أَنَّا لَا نَعْرِفُ تَأْلِيفَهُ مِنْهَا. كَذَا نَقَلَهُ ابْنُ عَطِيَّةَ.وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ- بِسَنَدٍ صَحِيحٍ-، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: هُوَ اسْمُ اللَّهِ الْأَعْظَمُ.وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، مِنْ طَرِيقِ السُّدِّيّ: أَنَّهُ بَلَغَهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: {الم} اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى الْأَعْظَمِ.وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَغَيْرُهُ، مِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: {الم} وَ{طسم} وَ{ص} وَأَشْبَاهُهَا قَسَمٌ أَقْسَمَ اللَّهُ بِهِ، وَهُوَ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ.وَهَذَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ قَوْلًا ثَالِثًا، أَيْ: أَنَّهَا بِرُمَّتِهَا أَسْمَاءُ اللَّهِ. وَيَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ مِنَ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ وَمِنَ الثَّانِي. وَعَلَى الْأَوَّل: مَشَى ابْنُ عَطِيَّةَ وَغَيْرُهُ.وَيُؤَيِّدُهُ مَا أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي تَفْسِيرِهِ، مِنْ طَرِيقِ نَافِعٍ: عَنِ أَبِي نُعَيْمٍ الْقَارِئِ عَنْ، فَاطِمَةَ بِنْتِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ: أَنَّهَا سَمِعَتْ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ يَقُولُ: يَا {كهيعص} اغْفِرْ لِي.وَمَا أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ، فِي قَوْلِه: {كهيعص} قَالَ: يَا مَنْ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ.وَأَخْرَجَ عَنْ أَشْهَبَ، قَالَ: سَأَلْتُ مَالِكَ بْنَ أَنَسٍ: أَيَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يَتَسَمَّى بِـ: (يس)؟.فَقَالَ: مَا أَرَاهُ يَنْبَغِي، لِقَوْلِ اللَّه: {يس وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ} [يس: 1- 2]، يَقُولُ: هَذَا اسْمٌ تَسَمَّيْتُ بِهِ.وَقِيلَ: هِيَ أَسْمَاءٌ لِلْقُرْآن: كَالْفُرْقَانِ وَالذِّكْرِ، أَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ قَتَادَةَ. وَأَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ بِلَفْظ: كُلُّ هِجَاءٍ فِي الْقُرْآنِ فَهُوَ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ الْقُرْآنِ.وَقِيلَ: هِيَ أَسْمَاءٌ لِلسُّوَر: نَقَلَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، وَنَسَبَهُ صَاحِبُ الْكَشَّافِ إِلَى الْأَكْثَرِ.وَقِيلَ: هِيَ فَوَاتِحُ لِلسُّوَرِ كَمَا يَقُولُونَ فِي أَوَّلِ الْقَصَائِدِ (بَلْ) وَ(لَا بَلْ).أَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، مِنْ طَرِيقِ الثَّوْرِيِّ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: {الم} وَ{حم} وَ{المص} وَ{ص} وَنَحْوُهَا فَوَاتِحُ افْتَتَحَ اللَّهُ بِهَا الْقُرْآنَ.وَأَخْرَجَ أَبُو الشَّيْخِ، مِنْ طَرِيقِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: قَالَ مُجَاهِدٌ {الم} وَ{المر} فَوَاتِحُ افْتَتَحَ اللَّهُ بِهَا الْقُرْآنَ.قُلْتُ: أَلَمْ يَكُنْ يَقُولُ: هَذِهِ هِيَ أَسْمَاءٌ؟قَالَ: لَا.وَقِيلَ: هَذَا حِسَابُ أَبِي جَادٍ: لِتَدُلَّ عَلَى مُدَّةِ هَذِهِ الْأُمَّةِ.وَأَخْرَجَ ابْنُ إِسْحَاقَ، عَنِ الْكَلْبِيِّ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رِيَابٍ قَالَ: مَرَّ أَبُو يَاسِرِ بْنُ أَخْطَبَ فِي رِجَالٍ مِنْ يَهُودَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «وَهُوَ يَتْلُو فَاتِحَةَ سُورَةِ الْبَقَرَة: {الم ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ}» فَأَتَى أَخَاهُ حُيَيَّ بْنَ أَخْطَبَ فِي رِجَالٍ مِنَ الْيَهُودِ، فَقَالَ: تَعْلَمُونَ وَاللَّهِ لَقَدْ سَمِعْتُ مُحَمَّدًا يَتْلُو فِيمَا أُنْزِلَ عَلَيْه: {الم ذَلِكَ الْكِتَابُ}. قَالَ: أَنْتَ سَمِعْتَهُ؟ قَالَ: نَعَمْ. فَمَشَى حُيَيُّ فِي أُولَئِكَ النَّفَرِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا أَلَمْ تَذْكُرْ أَنَّكَ تَتْلُو فِيمَا أُنْزِلَ عَلَيْكَ: {الم ذَلِكَ}؟ فَقَالَ: «بَلَى». فَقَالُوا: لَقَدْ بَعَثَ اللَّهُ قَبْلَكَ أَنْبِيَاءَ، مَا نَعْلَمُهُ بَيَّنَ لِنَبِيٍّ مَا مُدَّةُ مُلْكِهِ، وَمَا أَجَلُ أُمَّتِهِ غَيْرَكَ، الْأَلِفُ وَاحِدَةٌ، وَاللَّامُ ثَلَاثُونَ، وَالْمِيمُ أَرْبَعُونَ، فَهَذِهِ إِحْدَى وَسَبْعُونَ سَنَةً أَفَنَدْخُلُ فِي دِينِ نَبِيٍّ إِنَّمَا مُدَّةُ مُلْكِهِ وَأَجَلُ أُمَّتِهِ إِحْدَى وَسَبْعُونَ سَنَةً؟! ثُمَّ قَالَ: يَا مُحَمَّدُ، هَلْ مَعَ هَذَا غَيْرُهُ؟ قَالَ: «نَعَمْ: المص» قَالَ: هَذِهِ أَثْقَلُ وَأَطْوَلُ، الْأَلِفُ وَاحِدَةٌ، وَاللَّامُ ثَلَاثُونَ، وَالْمِيمُ أَرْبَعُونَ وَالصَّادُ تِسْعُونَ، فَهَذِهِ إِحْدَى وَثَلَاثُونَ وَمِائَةُ سَنَةٍ، هَلْ مَعَ هَذَا غَيْرُهُ؟ قَالَ: «نَعَمْ؛ الر». قَالَ: هَذِهِ أَثْقَلُ وَأَطْوَلُ؛ الْأَلِفُ وَاحِدَةٌ، وَاللَّامُ ثَلَاثُونَ، وَالرَّاءُ مِائَتَانِ، هَذِهِ إِحْدَى وَثَلَاثُونَ وَمِائَتَا سَنَةٍ. هَلْ مَعَ هَذَا غَيْرُهُ؟قَالَ: «نَعَمْ المر».قَالَ: هَذِهِ أَثْقَلُ وَأَطْوَلُ هَذِهِ إِحْدَى وَسَبْعُونَ وَمِائَتَانِ، ثُمَّ قَالَ: لَقَدْ لُبِّسَ عَلَيْنَا أَمْرُكَ حَتَّى مَا نَدْرِي أَقَلِيلًا أُعْطِيتَ أَمْ كَثِيرًا. ثُمَّ قَالَ: قُومُوا عَنْهُ.ثُمَّ قَالَ أَبُو يَاسِرٍ لِأَخِيهِ وَمَنْ مَعَهُ: مَا يُدْرِيكُمْ لَعَلَّهُ قَدْ جُمِعَ هَذَا كُلُّهُ لِمُحَمَّدٍ، إِحْدَى وَسَبْعُونَ، وَإِحْدَى وَثَلَاثُونَ وَسِتُّونَ وَمِائَةٌ وَإِحْدَى وَثَلَاثُونَ وَمِائَتَانِ، وَإِحْدَى وَسَبْعُونَ وَمِائَتَانِ، فَذَلِكَ سَبْعُمِائَةٍ وَأَرْبَعٌ وَثَلَاثُونَ سَنَةً. فَقَالُوا: لَقَدْ تَشَابَهَ عَلَيْنَا أَمْرُهُ، فَيَزْعُمُونَ أَنَّ هَؤُلَاءِ الْآيَاتِ نَزَلَتْ فِيهِمْ: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ} [آلِ عِمْرَانَ: 7].أَخْرَجَهُ ابْنُ جَرِيرٍ مِنْ هَذَا الطَّرِيقِ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ، عَنِ ابْنِ جَرِيرٍ مُعْضَلًا.وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ فِي قَوْلِه: {الم} قَالَ: هَذِهِ الْأَحْرُفُ الثَّلَاثَةُ مِنَ الْأَحْرُفِ التِّسْعَةِ وَالْعِشْرِينَ، دَارَتْ بِهَا الْأَلْسُنُ، لَيْسَ مِنْهَا حَرْفٌ إِلَّا وَهُوَ مِفْتَاحُ اسْمٍ مِنْ أَسْمَائِهِ تَعَالَى، وَلَيْسَ مِنْهَا حَرْفٌ إِلَّا وَهُوَ مِنْ آلَائِهِ وَبَلَائِهِ، وَلَيْسَ مِنْهَا حَرْفٌ إِلَّا وَهُوَ فِي مُدَّةِ أَقْوَامٍ وَآجَالِهِمْ، فَالْأَلِفُ مِفْتَاحُ اسْمِه: اللَّهِ، وَاللَّامُ مِفْتَاحُ اسْمِه: لَطِيفٍ، وَالْمِيمُ مِفْتَاحُ اسْمِه: مَجِيدٍ، فَالْأَلِفُ آلَاءُ اللَّهِ وَاللَّامُ لُطْفُ اللَّهِ، وَالْمِيمُ مَجْدُ اللَّهِ، فَالْأَلِفُ سَنَةٌ، وَاللَّامُ ثَلَاثُونَ، وَالْمِيمُ أَرْبَعُونَ.قَالَ الْخُوَيِّيُّ: وَقَدِ اسْتَخْرَجَ بَعْضُ الْأَئِمَّةِ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {الم غُلِبَتِ الرُّومُ} [الرُّوم: 1- 2] أَنَّ الْبَيْتَ الْمُقَدَّسَ تَفْتَحُهُ الْمُسْلِمُونَ فِي سَنَةِ ثَلَاثَةٍ وَثَمَانِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ، وَوَقَعَ كَمَا قَالَهُ.وَقَالَ السُّهَيْلِيُّ: لَعَلَّ عَدَدَ الْحُرُوفِ الَّتِي فِي أَوَائِلِ السُّوَرِ- مَعَ حَذْفِ الْمُكَرَّرِ- لِلْإِشَارَةِ إِلَى مُدَّةِ بَقَاءِ هَذِهِ الْأُمَّةِ.قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَهَذَا بَاطِلٌ لَا يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ، فَقَدْ ثَبَتَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الزَّجْرُ عَنْ عَدِّ أَبِي جَادٍ. وَالْإِشَارَةُ إِلَى أَنَّ ذَلِكَ مِنْ جُمْلَةِ السِّحْرِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ بِبَعِيدٍ، فَإِنَّهُ لَا أَصْلَ لَهُ فِي الشَّرِيعَةِ، وَقَدْ قَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ فِي فَوَائِدِ رِحْلَتِه: وَمِنَ الْبَاطِلِ عِلْمُ الْحُرُوفِ الْمُقَطَّعَةِ فِي أَوَائِلِ السُّوَرِ.وَقَدْ تَحَصَّلَ لِي فِيهَا عِشْرُونَ قَوْلًا وَأَزْيَدُ، وَلَا أَعْرِفُ أَحَدًا يَحْكُمُ عَلَيْهَا بِعِلْمٍ وَلَا يَصِلُ مِنْهَا إِلَى فَهْمٍ.وَالَّذِي أَقُولُهُ: إِنَّهُ لَوْلَا أَنَّ الْعَرَبَ كَانُوا يَعْرِفُونَ أَنَّ لَهَا مَدْلُولًا مُتَدَاوَلًا بَيْنَهُمْ لَكَانُوا أَوَّلَ مَنْ أَنْكَرَ ذَلِكَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَلْ تَلَا عَلَيْهِمْ {حم} فُصِّلَتْ وَ{ص} وَغَيْرَهُمَا فَلَمْ يُنْكِرُوا ذَلِكَ بَلْ صَرَّحُوا بِالتَّسْلِيمِ لَهُ فِي الْبَلَاغَةِ وَالْفَصَاحَةِ، مَعَ تَشَوُّفِهِمْ إِلَى عَثْرَةٍ وَحِرْصِهِمْ عَلَى زَلَّةٍ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ أَمْرًا مَعْرُوفًا بَيْنَهُمْ لَا إِنْكَارَ فِيهِ. انْتَهَى.وَقِيلَ: وَهِيَ تَنْبِيهَاتٌ كَمَا فِي النِّدَاء: عَدَّهُ ابْنُ عَطِيَّةَ مُغَايِرًا لِلْقَوْلِ بِأَنَّهَا فَوَاتِحُ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ بِمَعْنَاهُ.قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: {الم} افْتِتَاحُ كَلَامٍ.وَقَالَ الْخُوَيِّيُّ: الْقَوْلُ بِأَنَّهَا تَنْبِيهَاتٌ جَيِّدٌ؛ لِأَنَّ الْقُرْآنَ كَلَامٌ عَزِيزٌ وَفَوَائِدُهُ عَزِيزَةٌ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَرِدَ عَلَى سَمْعٍ مُتَنَبِّهٍ، فَكَانَ مِنَ الْجَائِزِ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ قَدْ عَلِمَ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ كَوْنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي عَالَمِ الْبَشَرِ مَشْغُولًا، فَأَمَرَ جِبْرِيلَ بِأَنْ يَقُولَ عِنْدَ نُزُولِه: {الم} وَ{الر} وَ{حم} لِيَسْمَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَوْتَ جِبْرِيلَ فَيُقْبِلَ عَلَيْهِ، وَيُصْغِيَ إِلَيْهِ. قَالَ: وَإِنَّمَا لَمْ تُسْتَعْمَلِ الْكَلِمَاتُ الْمَشْهُورَةُ فِي التَّنْبِيهِ كَـ أَلَا وَأَمَا لِأَنَّهَا مِنَ الْأَلْفَاظِ الَّتِي يَتَعَارَفُهَا النَّاسُ فِي كَلَامِهِمْ، وَالْقُرْآنُ كَلَامٌ لَا يُشْبِهُ الْكَلَامَ، فَنَاسَبَ أَنْ يُؤْتَى فِيهِ بِأَلْفَاظِ تَنْبِيهٍ لَمْ تُعْهَدْ، لِتَكُونَ أَبْلَغَ فِي قَرْعِ سَمْعِهِ. انْتَهَى.وَقِيلَ: إِنَّ الْعَرَبَ كَانُوا إِذَا سَمِعُوا الْقُرْآنَ لَغَوْا فِيهِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذَا النَّظْمَ الْبَدِيعَ لِيَعْجَبُوا مِنْهُ، وَيَكُونَ تَعَجُّبُهُمْ مِنْهُ سَبَبًا لِاسْتِمَاعِهِمْ، وَاسْتِمَاعُهُمْ لَهُ سَبَبًا لِاسْتِمَاعِ مَا بَعْدَهُ، فَتَرِقُّ الْقُلُوبُ، وَتَلِينُ الْأَفْئِدَةُ.وَعَدَّ هَذَا جَمَاعَةٌ قَوْلًا مُسْتَقِلًّا، وَالظَّاهِرُ خِلَافُهُ، وَإِنَّمَا يَصْلُحُ هَذَا مُنَاسَبَةً لِبَعْضِ الْأَقْوَالِ، لَا قَوْلًا فِي مَعْنَاهُ، إِذْ لَيْسَ فِيهِ بَيَانُ مَعْنًى.وَقِيلَ: إِنَّ هَذِهِ الْحُرُوفَ ذُكِرَتْ لِتَدُلَّ عَلَى أَنَّ الْقُرْآنَ مُؤَلَّفٌ مِنَ الْحُرُوفِ الَّتِي هِيَ أ ب ت ث....: فَجَاءَ بَعْضُهَا مُقَطَّعًا، وَجَاءَ تَمَامُهَا مُؤَلَّفًا، لِيَدُلَّ الْقَوْمَ الَّذِينَ نَزَلَ الْقُرْآنُ بِلُغَتِهِمْ أَنَّهُ بِالْحُرُوفِ الَّتِي يَعْرِفُونَهَا، فَيَكُونُ ذَلِكَ تَعْرِيفًا لَهُمْ، وَدَلَالَةً عَلَى عَجْزِهِمْ أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِهِ، بَعْدَ أَنْ عَلِمُوا أَنَّهُ مُنَزَّلٌ بِالْحُرُوفِ الَّتِي يَعْرِفُونَهَا، وَيَبْنُونَ كَلَامَهُمْ مِنْهَا.وَقِيلَ: الْمَقْصُودُ بِهَا الْإِعْلَامُ بِالْحُرُوفِ الَّتِي يَتَرَكَّبُ مِنْهَا الْكَلَامُ: فَذَكَرَ مِنْهَا أَرْبَعَةَ عَشَرَ حَرْفًا، وَهِيَ نِصْفُ جَمِيعِ الْحُرُوفِ، وَذَكَرَ مِنْ كُلِّ جِنْسٍ نِصْفَهُ:فَمِنْ حَرْفِ الْحَلْق: الْحَاءُ، وَالْعَيْنُ، وَالْهَاءُ. وَمِنَ الَّتِي فَوْقَهَا الْقَافُ، وَالْكَافُ.وَمِنَ الْحَرْفَيْنِ الشَّفَهِيَّيْن: الْمِيمُ.وَمِنَ الْمَهْمُوسَة: السِّينُ، وَالْحَاءُ، وَالْكَافُ، وَالصَّادُ، وَالْهَاءُ.وَمِنَ الشَّدِيدَة: الْهَمْزَةُ، وَالطَّاءُ، وَالْقَافُ، وَالْكَافُ.وَمِنَ الْمُطْبِقَة: الطَّاءُ، وَالصَّادُ.وَمِنَ الْمَجْهُورَة: الْهَمْزَةُ، وَالْمِيمُ، وَاللَّامُ، وَالْعَيْنُ، وَالرَّاءُ، وَالطَّاءُ، وَالْقَافُ، وَالْيَاءُ، وَالنُّونُ.وَمِنَ الْمُنْفَتِحَة: الْهَمْزَةُ، وَالْمِيمُ، وَالرَّاءُ، وَالْكَافُ، وَالْهَاءُ، وَالْعَيْنُ، وَالسِّينُ، وَالْحَاءُ، وَالْقَافُ، وَالْيَاءُ، وَالنُّونُ.وَمِنَ الْمُسْتَعْلِيَة: الْقَافُ، وَالصَّادُ، وَالطَّاءُ.وَمِنَ الْمُنْخَفِضَة: الْهَمْزَةُ، وَاللَّامُ، وَالْمِيمُ، وَالرَّاءُ، وَالْكَافُ، وَالْهَاءُ، وَالْيَاءُ، وَالْعَيْنُ، وَالسِّينُ، وَالْحَاءُ، وَالنُّونُ.وَمِنَ الْقَلْقَلَة: الْقَافُ، وَالطَّاءُ.ثُمَّ إِنَّهُ تَعَالَى ذَكَرَ حُرُوفًا مُفْرَدَةً، وَحَرْفَيْنِ حَرْفَيْنِ، وَثَلَاثَةً ثَلَاثَةً، وَأَرْبَعَةً، وَخَمْسَةً؛ لِأَنَّ تَرَاكِيبَ الْكَلَامِ عَلَى هَذَا النَّمَطِ، وَلَا زِيَادَةَ عَلَى الْخَمْسَةِ.وَقِيلَ: هِيَ أَمَارَةٌ جَعَلَهَا اللَّهُ لِأَهْلِ الْكِتَاب: أَنَّهُ سَيُنْزِلُ عَلَى مُحَمَّدٍ كِتَابًا فِي أَوَّلِ سُوَرٍ مِنْهُ حُرُوفٌ مُقَطَّعَةٌ:هَذَا مَا وَقَفْتُ عَلَيْهِ مِنَ الْأَقْوَالِ فِي أَوَائِلِ السُّوَرِ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةِ، وَفِي بَعْضِهَا أَقْوَالٌ أُخَرُ؛ فَقِيلَ: إِنَّ (طه) وَ(يس) بِمَعْنَى: يَا رَجُلُ، أَوْ: يَا مُحَمَّدُ، أَوْ: يَا إِنْسَانُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْمُعْرَبِ.وَقِيلَ: هُمَا اسْمَانِ مِنْ أَسْمَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.قَالَ الْكِرْمَانِيُّ فِي غَرَائِبِه: وَيُقَوِّيهِ فِي (يس) قِرَاءَةُ {يَاسِينَ} بِفَتْحِ النُّونِ وَقَوْلُهُ {إِلْ يَاسِينَ}. وَقِيلَ: {طه} أَيْ: طَأِ الْأَرْضَ أَوِ اطْمَئِنَّ، فَيَكُونُ فِعْلَ أَمْرٍ وَالْهَاءُ مَفْعُولٌ، أَوْ لِلسَّكْتِ، أَوْ مُبْدَلَةً مِنَ الْهَمْزَةِ.أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِه: {طه} هُوَ كَقَوْلِكَ: فَاعِلٌ. وَقِيلَ: (طه) أَيْ: يَا بَدْرُ؛ لِأَنَّ الطَّاءَ بِتِسْعَةٍ، وَالْهَاءَ بِخَمْسَةٍ، فَذَلِكَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ إِشَارَةً إِلَى الْبَدْرِ؛ لِأَنَّهُ يَتِمُّ فِيهَا. ذَكَرَهُ الْكِرْمَانِيُّ فِي غَرَائِبِهِ.وَقِيلَ: فِي قوله: {يس} أَيْ: يَا سَيِّدَ الْمُرْسَلِينَ، وَفِي قوله: {ص} مَعْنَاهُ صَدَقَ اللَّهُ.وَقِيلَ: أَقْسَمَ بِالصَّمَدِ الصَّانِعِ الصَّادِقِ.وَقِيلَ: مَعْنَاهُ صَادِ يَا مُحَمَّدُ عَمَلَكَ بِالْقُرْآنِ، أَيْ: عَارِضْهُ بِهِ، فَهُوَ أَمْرٌ مِنَ الْمُصَادَاةِ.وَأَخْرَجَ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: صَاد: حَادِثِ الْقُرْآنَ، يَعْنِي: انْظُرْ فِيهِ.وَأَخْرَجَ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ حُسَيْنٍ، قَالَ: كَانَ الْحَسَنُ يَقْرَؤُهَا {صَادِ وَالْقُرْآنِ} يَقُولُ: عَارِضِ الْقُرْآنَ. وَقِيلَ: {ص} اسْمُ بَحْرٍ عَلَيْهِ عَرْشُ الرَّحْمَنِ.وَقِيلَ: اسْمُ بَحْرٍ يُحْيِي بِهِ الْمَوْتَى.وَقِيلَ: مَعْنَاهُ صَادِ مُحَمَّدٌ قُلُوبَ الْعِبَادِ حَكَاهَا الْكِرْمَانِيُّ كُلَّهَا.وَحَكَى فِي قَوْلِه: {المص} أَيْ: مَعْنَاهُ: {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ} وَفِي {حم} أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَقِيلَ: مَعْنَاهُ {حم} مَا هُوَ كَائِنٌ، وَفِي {حم عسق} [الشُّورَى: 1- 2] أَنَّهُ جَبَلُ قَافٍ. وَقِيلَ: {ق} جَبَلٌ مُحِيطٌ بِالْأَرْضِ. أَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مُجَاهِدٍ.وَقِيلَ: أَقْسَمَ بِقُوَّةِ قَلْبِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.وَقِيلَ: هِيَ الْقَافُ مِنْ قَوْلِه: (وَقُضِيَ الْأَمْرُ) دَلَّتْ عَلَى بَقِيَّةِ الْكَلِمَةِ.وَقِيلَ: مَعْنَاهَا قِفْ يَا مُحَمَّدُ عَلَى أَدَاءِ الرِّسَالَةِ، وَالْعَمَلِ بِمَا أُمِرْتَ، حَكَاهَا الْكِرْمَانِيُّ.وَقِيلَ: {ن} هُوَ الْحُوتُ. أَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا: «أَوَّلُ مَا خَلَقَ اللَّهُ الْقَلَمَ وَالْحُوتَ. قَالَ: اكْتُبْ، قَالَ مَا أَكْتُبُ؟ قَالَ: كُلُّ شَيْءٍ كَائِنٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ قَرَأَ (ن وَالْقَلَمِ) فَالنُّونُ الْحُوتُ، وَالْقَافُ الْقَلَمُ».وَقِيلَ: هُوَ اللَّوْحُ الْمَحْفُوظُ.أَخْرَجَهُ ابْنُ جَرِيرٍ، مِنْ مُرْسَلِ ابْنِ قُرَّةَ مَرْفُوعًا.وَقِيلَ: هُوَ الدَّوَاةُ، أَخْرَجَهُ عَنِ الْحَسَنِ وَقَتَادَةَ.وَقِيلَ: هُوَ الْمِدَادُ، حَكَاهُ ابْنُ قُتَيْبَةَ فِي غَرِيبِهِ.وَقِيلَ: هُوَ الْقَلَمُ، حَكَاهُ الْكِرْمَانِيُّ عَنِ الْجَاحِظِ.وَقِيلَ: هُوَ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَكَاهُ ابْنُ عَسَاكِرَ فِي مُبْهَمَاتِهِ.وَفِي الْمُحْتَسَبِ لِابْنِ جِنِّي: أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ قَرَأَ (حم سق) بِلَا عَيْنٍ، وَيَقُولُ: السِّينُ كُلُّ فِرْقَةٍ تَكُونُ، وَالْقَافُ كُلُّ جَمَاعَةٍ تَكُونُ.قَالَ ابْنُ جِنِّي: وَفِي هَذِهِ الْقِرَاءَةِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْفَوَاتِحَ فَوَاصِلٌ بَيْنَ السُّوَرِ الْقُرْآن الْكَرِيم، وَلَوْ كَانَتْ أَسْمَاءَ اللَّهِ لَمْ يَجُزْ تَحْرِيفُ شَيْءٍ مِنْهَا؛ لِأَنَّهَا لَا تَكُونُ حِينَئِذٍ أَعْلَامًا، وَالْأَعْلَامُ تُؤَدَّى بِأَعْيَانِهَا، وَلَا يُحَرَّفُ شَيْءٌ مِنْهَا.وَقَالَ الْكِرْمَانِيُّ فِي غَرَائِبِهِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {الم أَحَسِبَ النَّاسُ} [الْعَنْكَبُوت: 1- 2]: الِاسْتِفْهَامُ هُنَا يَدُلُّ عَلَى انْقِطَاعِ الْحُرُوفِ عَمَّا بَعْدَهَا فِي هَذِهِ السُّورَةِ وَغَيْرِهَا.
|